الذكر : هو ما يجري على اللسان والقلب ، من تسبيح الله تعالى وتنزيهه وحمده والثناء عليه ووصفه بصفات الكمال ونعوت الجلال والجمال .
1 - وقد أمر الله بالاكثار منه فقال : ( يأيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا ، وسبحوه بكرة وأصيلا ) .
2 - وأخبر أنه يذكر من يذكره فقال : ( فاذكروني أذكركم ) وقال في الحديث القدسي الذي رواه البخاري ومسلم : " أنا عند حسن ظن عبدي بي ( 1 ) وأنا معه حين يذكرني ، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملا ذكرته في ملا خير منه ، وإن اقترب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا ، وإن اقترب إلي ذراعا اقتربت إليه باعا وإن أتاني يمشي أتيته هرولة . " ( 2 )
3 - وأنه سبحانه اختص أهل الذكر بالتفرد والسبق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " سبق المفردون " . قالوا : وما المفردون يا رسول الله قال : " الذاكرون الله كثيرا والذاكرات " رواه مسلم .
4 - وأنهم هم الاحياء على الحقيقة ، فعن أبي موسى ، أن النبي صلى الله
( 1 ) أي إن ظن أن الله يقبل دعاءه وهو يدعوه قبله ، ومن استغفره وظن أن الله يغفر له وهكذا . ( 2 ) أي أنه كلما زاد إقبال العبد على ربه كان الله له بكل خير أسرع
عليه وسلم قال : " مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر مثل الحي والميت " رواه البخاري .
5 - والذكر رأس الاعمال الصالحة ، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه . وأوصى الرجل الذي قال له : إن شرائع الاسلام قد كثرت علي . فأخبرني بشئ أتشبث ( 1 ) به ؟ فقال له : " لا يزال فوك رطبا من ذكر الله " وقال عليه الصلاة والسلام لاصحابه " ألا انبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من إنفاق الذهب والورق ( 2 ) وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ، ويضربوا أعناقكم ؟ " قالوا : بلى يا رسول الله قال : " ذكر الله " . رواه الترمذي وأحمد والحاكم وقال : صحيح الاسناد .
6 - وأنه سبيل النجاة ، فعن معاذرضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ما عمل آدمي قط أنجى له من عذاب الله ، من ذكر الله عز وجل . " رواه أحمد .
7 - وعند أحمد ، أنه صلى الله عليه وسلم قال : " إن ما تذكرون من جلال الله عزوجل من التهليل والتكبير والتحميد يتعاطفن حول العرش ، لهن دوي كدوي النحل يذكرن بصاحبهن ، أفلا يحب أحدكم أن يكون له ما يذكر به ؟ " .ووصف أولي الالباب الذين ينتفعون بالنظر في آياته بأنهم : ( الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ) . ( والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما . ) وقال مجاهد : لا يكون من الذاكرين الله كثيرا والذاكرات حتى يذكر الله قائما وقاعدا ومضطجعا . وسئل ابن الصلاح عن القدر الذي يصير به من الذاكرين الله كثيرا
( 1 ) أتشبث : أي أتمسك به . ( 2 ) الورق : الفضة
والذاكرات فقال : إذا واظب على الاذكار المأثورة المثبتة صباحا ومساء في الاوقات والاحوال المختلفة ليلا ونهارا كان من الذاكرين الله كثيرا والذاكرات . وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما في هذه الآيات ، قال : إن الله تعالى لم يفرض على عباده فريضة إلا جعل لها حدا معلوما وعذر أهلها في حال العذر ، غير الذكر ، فإن الله لم يجعل له حدا ينتهي إليه . ولم يعذر أحدا في تركه إلا مغلوبا على تركه فقال : ( اذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم )
أدب الذكر المقصود من الذكر تزكية الانفس وتطهير القلوب ، وإيقاظ الضمائر . وإلى هذا تشير الآية الكريمة : ( وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ، ولذكر الله أكبر ) أي أن ذكر الله في النهي عن الفحشاء والمنكر أكبر من الصلاة ، وذلك أن الذاكر حين ينفتح لربه جنانه ويلهج بذكره لسانه يمده الله بنوره فيزداد إيمانا إلى إيمانه ، ويقينا إلى يقينه ، فيسكن قلبه للحق ويطمئن به " الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ، ألا بذكر الله تطمئن القلوب "
ومن غير المعقول أن تتحقق هذه النتائج بمجرد لفظ يلفظه اللسان ، فإن حركة اللسان قليلة الجدوى ما لم تكن مواطئة للقلب ، وموافقة له
وقد أرشد الله إلى الادب الذي ينبغي أن يكون عليه المرء أثناء الذكر . فقال : ( واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ، ولا تكن من الغافلين . ) والآية تشير إلى أنه يستحب أن يكون الذكر سرا ، لا ترتفع به الاصوات ، وقد سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم جماعة من الناس رفعوا أصواتهم بالدعاء في بعض الاسفار ، فقال : " يا أيها الناس أربعوا على أنفسكم ، فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا ، إن الذي تدعونه سميع قريب ، أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته " .
ومن الادب أن يكون الذاكر نظيف الثوب طاهر البدن طيب الرائحة ، فإن ذلك مما يزيد النفس نشاطا ، ويستقبل القبلة ما أمكن ، فإن خير المجالس ما استقبل به القبلة .
استحباب الاجتماع في مجالس الذكر يستحب الجلوس في حلق الذكر . وقد جاء في ذلك ما يأتي :
1 - عن ابن عمر رضي الله عنهما ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا " قالوا : وما رياض الجنة يا رسول الله ؟ قال : " حلق الذكر ، فإن لله تعالى سيارات من الملائكة يطلبون حلق الذكر . فإذا أتوا عليهم حفوا بهم " . 2 - وروى مسلم عن معاوية أنه قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على حلقة من أصحابه فقال : " ما أجلسكم ؟ " قالوا جلسنا نذكر الله تعالى ونحمده على ما هدانا للاسلام ومن به علينا . قال : " الله . ما أجلسكم إلا ذاك ، أما إني لم استحلفكم تهمة لكم ، ولكنه أتاني فأخبرني أن الله تعالى يباهي بكم الملائكة " .
3 - وروى أيضا عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي الله عنهما أنهما شهدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لا يقعد قوم يذكرون الله تعالى إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ، ونزلت عليهم السكينة ، وذكرهم الله فيمن عنده " .